الخميس، 19 فبراير 2009

هل نحتاج إلى دستور للحنفاء اللادينيين؟

كتب أحد الأصدقاء تعليقاً جعلني أفكر في جدوى مانفعله وما نكتبه في مدوناتنا اللادينية. أولاً عبر عن أمله بأن نتفق على مسمى واحد بدل التخبط بين "الملحدين" و"اللادينيين" و"الكفار" و "المرتدين" وغيرها من المسميات فقال: "ليعمل جميع الهاربين من جحيم الإسلام من أجل وضع ممصطلحات مجتمعهم الجديد. أتمنى أن يكون الإتفاق على المصطلحات هو اللبنه الأولى من أجل رابطة حقيقية بين المرتدين. لأن الموضوع أكبر بكثير من مدونه إلكترونية." إختيار إسم خطوة أولية لتحديد وتعريف الجماعة وأفكارها من أجل خلق "رابطة حقيقية بين المرتدين". وهو ما سيدفعها طبعاً في اتجاه تكوين حركة اجتماعية أو سياسية، ومن ثم حركة منظمة ذات أفكار ومسميات وعقائد وأسلوب حياة وأخلاق ومعايير للتصرفات. الصديق يبحث عن حل لما سماه "الرعب المسيطر" فقال: "الرعب مسيطر على كل تصرفاتنا لدرجة أننا نخاف من إظهار شخصيتنا الحقيقية حتى لبعضنا ،إنه حقا الموت البطيء ،الذي يريده كل المحيطيين بنا ،فهل تجد لنا هذه المدونة الجديدة حلولاً ؟؟؟". هو يبحث عن بديل للدين ويريد أن يخلق مجتمعاً بديلاً للمجتمع الإسلامي الحالي الذي يسيطر نمطه على كل المجتمعات العربية.

بدأت الرد على أسئلة الصديق بتبرير لتسمية المدونة فقلت: "إن اقتراح اسم الحنفاء ليس محاولة لبلبة المصطلحات وإنما رغبة في إعطاء إسم مميز للمدونة. إسم اللادينيون يقوم بالواجب حتى الآن ولا داعي لتبديله. أما الإلحاد والكفر وما إلى ذلك فهي من شتائم القرآن لمعارضيه والتي لا تنتهي." ثم بدأت أفكر عن السبب الذي دعاني لإنشاء هذه المدونة. فعندما نتكلم مع الآخريين فإننا نسعى أولاً إلى التواصل وثانياً إلى خلق جماعة صغيرة نحيا ضمن حدودها تؤمن لنا طمأنينة القبول وأمان الإحتماء بالعدد. هل يا تراني أبحث عن بديل؟ وإذا كنت فعلاً قد بدأت هذا البحث فما تراني فاعل لتحقيقه؟

أنا في الحقيقة لا أحب الأحزاب والجماعات وأفضل الإحتفاظ بحريتي في تكوين آرائي وتغييرها وعرضها، ولا أدعو إليها أحداً فهي ليست ديناً أو "صراطاً مستقيماً" أحض الناس عليه وأتوعدهم بجهنم إن لم يستجيبوا. فكان ردي كالتالي:
"لا أعتقد بإمكان وجود مجتمع لاديني. فطبيعة الإنسان دينية وهو يحتاج أيضاً إلى دولة لتحميه والدولة ستحول الفكرة بالتالي إلى دين جديد وتضطهد معارضيها. الأفضل هو النضال من أجل دولة لجميع مواطنيها، دولة قانون تكفل حرية الرأي والإعتقاد لجميع المواطنين وتضع سلطة القانون وقوة الشرطة في خدمة هذه الحرية. إخفاء شخصيات اللادينيين حالة موجودة في كثير من المجتمعات بما فيها بعض المجتمعات الغربية وبالإمكان التعايش معها. إلا أن تراكم القهر يجعل المرء يحس بالموت البطيء كما ذكرت."

وبما أني لا أعتقد بإمكان وجود مجتمع لاديني منفصل فقد دعوت هذا الصديق لأن يتقبل مجتمعه وأن يحاول التعايش معه: "أنا أدعوك إلى زيارة المساجد. لا تستمع إلى الخطبة ولكن أنظر إلى المصلين، أكثرهم لا حول له ولا قوة وكثيرون لا يؤمنون بكلام المشايخ كله لكنهم يفضلون الذوبان في الجماعة على الإنعزال. يمكنك أن تفهمهم وأن تصل إلى مرحلة لا تفكر فيها دائماً بأكاذيب الشيوخ التي تخنقك. المشكلة هي في سلطة المشايخ الجديدة والتي يسمح بها الحكام العرب لغاية في نفس يعقوب. الهدف الآن هو الوقوف ضد أية دولة إسلامية وفصل الدين عن أي مشروع سياسي وهذا ممكن. إنتظر بضعة سنوات حتى يهدأ الوضع وسترى كيف يبدأ الحكام بعملية تنظيف لهؤلاء الملتحين."

فلماذا ندعو الناس إذاً لنبذ الدين والإيمان بالعلم والمنطق؟ "أن تزداد أعدادنا يعني أن نصبح واقعاً لا يستطيعون نكرانه لكننا لن نشكل مجتمعاً كاملاً وحدنا. الطبيعة البشرية محافظة والدين الإلهي سيحل محله دين من نوع آخر. لن تعدم البشرية أسباباً لتقليل أعدادها عندما يفوق عدد السكان الموارد المتوفرة. المرحلة الأخرى من اللادينية هي نسيان وجود الدين." نحن في الحقيقة ندافع عن أنفسنا وحرياتنا دون أن نلغي الآخرين وحرياتهم ودون أن ننفصل عنهم ونستبدلهم. المسألة مسألة سلطة. هل كنا ستثور على الدين لو لم يتسلط علينا ويأخذ حريتنا. الجواب لا. نحن لا نمنع الناس من أن يكونوا مختلفين، نحن نمنعهم من أن يفرضوا أفكارهم وقوانينهم علينا بالقوة.

التسلط في الدين وليس في الإيمان ونحن نتحدى السلطة ولا نتحدى أحاسيس الناس وسعيهم إلى الأمان والسلامة وسلامة من يحبون وإلى قبول الآخرين لهم. لا يجب أن نأخذ الإيمان من الناس بدعوى المنطق، لكن يجب أن نأخذ الدين لأن الدين منظومة طغيان وسيطرة تستمد شرعيتها من مفاهيم بسيطة يحملها كل منا مثل الإيمان والحاجة إلى الأمان. هل لاحظت أن كلمة إيمان مرتبطة لغوياً بالأمان وأن كلمة إسلام مرتبطة بالسلام. الأديان أفكار تراكمت على مر آلاف السنين واحتمت وراء حاجات إنسانية أولية مثل السلامة والأمان والطمأنينة.

لا يمكن أن نطلب من الناس التخلي عن حاجاتهم الأساسية ولكن يمكن أن نشرح لهم كيف تستغل الأديان هذه الحاجات دون أن تلبيها. من الواضح أن الدين لا يلبي أية حاجة نفسية فلا يمكن مداواة الإكتئاب مثلاً بالصلاة إلا إذا كان الإكتئاب مرحلياً وليس عضوياً. إن وظيفة رجل الدين أن يتعامل مع هذه الحاجات كل حالة على حدة وأن يقنع الناس بمتطلبات الدين. لكن الدين لا يفكر بالحالات الفردية. متى ناقش الشرع الإسلامي حالات الإكتئاب. ليس لديهم إلا كلام قانوني تافه عن تحريم الإنتحار والصمود أمام الوسواس ومحاربة الجن. كأنك تطلب من مكتئب أن يقف عند إشارات المرور وأن يغسل يده فبل الطعام وبعده كدواء للإكتئاب.

لا نستطيع أن نطلب من إنسان يعتمد على الإيمان بإله أو على دين لعبور مراحل حياتية صعبة أن يتخلى عن إيمانه وأن يعتمد على العقل والمنطق. إن للذكاء أنواع. كثير من الناس يحبون التواصل بالرموز والصور والأحاسيس ولا يستطيعون أن ينظموا أفكارهم على طريقة الرياضيات، أي فرضية ومن ثم برهان متسلسل الحجج. لكن هذا لا يمنع أن يكونوا أذكياء إجتماعياً أو عاطفياً. الكثير منهم فنانون ومشاعرهم جياشة ولا طاقة لهم على برودة العلم ونظامه الصارم. المسألة مسألة أسلوب تفكير مختلف يعطي أهمية لما نعتقده تفاهة.
الأفضل هو أن نقول لهم بأن الإيمان والأمل منفصلان عن الدين. يمكن للإنسان أن يؤمن أن الأرواح ستساعده أو أن آلهة الحظ ستجعله يكسب اليانصيب أو أن النجوم قد انتظمت الليلة بحيث تجعل طيارته تصل بسلام. لكن هذا المؤمن لا يحتاج إلى دين. أي لا يحتاج إلى كتاب مقدس وأنبياء وقانون ورجال دين ومدعوذين ومطوعين وهيئة أمر بالمعروف أو كنيسة وبابا بطربوش وأحاديث وكتب عقائد وشرح الشرح وتفسير التفسير.

يبدو لي أننا بحاجة إلى دستور يحدد هوية ما نسعى إليه دون أن يحدد هويتنا. يحدد طرقاً للوصول إلى الهدف دون أن يحدد شروط الإنتساب إلى الجماعة حتى لا ننتهي ديناً آخر يرسل أتباعه إلى الجنة الآخرين غيرهم إلى النار و"بئس المصير".

ليست هناك تعليقات: